تحقيق - سامح عبد الحي - الأسواق العشوائية قنابل موقوتة سواء في القاهرة أو المحافظات لوقوعها وسط الكتل السكنية، فهي بؤر للتلوث والضوضاء ، مرتع للبلطجية والخارجين علي القانون ، لأنها عبارة عن تجمعات من الباعة الجائلين الذين يفترشون الشوارع والطرقات، وتعد مكانًا خصبا لحدوث الكوارث واندلاع الحرائق لوقوعها أسفل الكباري أو وسط المقابر أو بجوار قضبان السكة الحديد، وهي مصدرًا للأمراض والاوبئة بالنسبة للسكان القاطنين بجوارها .. مقالب للقمامة ومخلفات الذبح وبقايا الخضروات والفاكهة التالفة.
ليس هذا فقط.. فبمجرد الدخول الى هذا العالم تصاب بالغثيان من الروائح الكريهة والزحام الشديد، فالكل داخل هذه " السويقات " يتنافس من أجل بيع بضاعته .. الصوت الجهوري والميكروفونات هما سلاحهما للترويج عما يبيعونه .. تضم كل الوسائل التي تساعد علي الاشتعال، بدءًا من " المظلات " المصنوعة من القماش مرورًا بأكوام " الزبالة " انتهاء بكمية الأخشاب والبلاستيك الموجود بداخلها .
سوق الخميس .. سوق الجمعة .. سوق الثلاثاء كلها مسميات لأسواق عشوائية مكتظة بالبائعين والزبائن .. يوجد أكثر من 113 سوقًا شعبيًا منتشرة في احياء ومدن القاهرة الكبري فقط، يقع معظمها في المناطق الشعبية خاصة في مناطق شبرا وامبابة والمطرية والموسكي والعتبة وبولاق الدكرو وغيرها، وهى لا تخضع لأي نوع من أنواع الرقابة ، وتشكل بؤر للتلوث والأوبئة بالإضافة إلى ماتسببه من أشغال للطرق واحداث ضجيج وازعاج مستمر للسكان والمارة ، بضاعتها من " الابرة الي الصاروخ "جميعها سلع " مضروبة " أو مسروقة أو مهربة او منعدمة الجودة او مستعملة، اسعارها زهيدة لذلك يقبل عليها الكثير بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وبسبب موجة الغلاء الفاحش التي اجتاحت معظم السلع، في هذه الاسواق يوجد كل شي من الملابس والاحذية والموبيليا ت والادوات المنزلية، واجهزة المحمول والكمبيروتر، والطيور النادرة والحيوانات الاليفة وغير الاليفة، والعملات النادرة والطوابع القديمة والنتيكات وغيرها مما تتخيله ومما لاتتخيل ان تجده في هذه الاماكن.
الأسواق العشوائية محاصرة بالنيران والكوارث، الإهمال والتقاعس من جانب الاجهزة المحلية سبب انتشارها وبقائها، انعدام الامن وغياب الرقابة جعل تجارها وبائعيها يملكون تلك الاسواق وتصبح مرتعا لهم بدون رقيب حتي اصبحت ملاذا امنا للبلطجية واللصوص ومكانا لبيع المسروقات والبضائع المهربة والرديئة غير المطابقة للمواصفات، وكل ذلك يتم تحت رقابة الحكومة المتمثلة في المحليات التي لم تتحرك لوضع حد لهذا الانفلات غير المسبوق في اماكن تواجد تلك الاسواق التى أصبحت بمثابل قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة ، والدليل علي ذلك ما حدث في سوق التونسي المعروفة بسوق الجمعة والتي تضم أكثر من 5 آلاف عامل وحرفي يأتون من كافة أنحاء مصر، للعمل في الورش الخاصة بالسيارات وورش الخشب والسيراميك والألومونيوم والموبيليا والأدوات الصحية، من نشوب حريق هائل دمر بدمار محلات السوق بالكامل ، ما أسفر عن تفحم 3 أشخاص وإصابة 50 من الأهالي والشرطة بالاختناق ، وتقدر الخسائر المبدئية بـأكثر من 50 مليون جنيه، بالاضافة الي تشريد الاف العمال الذين ليس لهم عمل سوي التجارة في هذا السوق، بالرغم من هذا السوق كان قد صدر له قرار ازالة منذ عام 2008 الا ان القرار لم ينفذ، فكانت النتيجة كارثة مروعة .
خطط علي الورق
الاجهزة المحلية بمحافظة القاهرة ووزارة التجارة والصناعة قد وضعا خططا للقضاء علي هذه الاسواق العشوائية الا ان ايا منهما لم ينفذ حتي الان، واصبحت تلك الخطط علي الورق فقط وظلت حبيسة الادراج، فكانت محافظة القاهرة قد أعلنت منذ عامين عن وضع خطة لتحديث السويقات التقليدية وإنشاء أسواق حضارية بدلا من الأسواق العشوائية، التي تمثل خطورة علي التجمعات السكنية، وان البداية ستكون في سوق التونسي بالسيدة عائشة حيث تم تكليف نائب المحافظ للمنطقة الجنوبية بالإشراف علي إنشاء4 أسواق بديلة لهذه السوق بتكلفة قدرها5 ملايين جنيه بالاضافة الي تقسيم سوق المطرية المعروف بسوق الخميس إلي عدة أسواق متخصصة للقضاء علي المشكلات المتعددة لهذه السوق ، الا ان تلك التصريحات لم تنفذ واستمرت تلك الاسواق علي حالها .
كما ان هناك خطة أعدتها وزارة التجارة والصناعة لتطوير التجارة الداخلية والقضاء علي الاسواق العشوائية و إنشاء أسواق جديدة وعصرية، وأطلقت علي هذا المشروع اسم "المطور التجاري" وهو عبارة عن أسواق لتجميع تجارة الجملة والتجزئة ومخازن للبضائع في سوق واحد تتكامل حلقاته، وانشاء مشروع داخل كل محافظة ليضم جميع الاسواق ، علي ان تضم هذه المناطق التجارية جميع الخدمات التي يحتاج إليها التجار والمستهلكون، من مجمع تجاري و شركات للشحن وسجل تجاري وفروع للضرائب والتأمينات، وان تكون مكتملة المرافق والخدمات، وتكون خارج المدن السكنية.
وتتضمن خطة الوزارة 5 محاور هي تحديث الأسواق الموجودة للوصول بها إلى مواصفات معينة تحول دون التجارة العشوائية ، وتيسير وتسهيل تعامل التجار مع الجهات الحكومية فى المحليات أو الصحة أو قطاع التجارة الداخلية ، وتطوير الرقابة على الأسواق ومواصفات المنتجات ، والمحور الخامس وهو تحديث وتعديل منظومة التشريعات المنظمة للتجارة الداخلية لزيادة فعالياتها وكفاءتها فى تحقيق الردع للمخالفين والتيسير على الملتزمين وضمان أكثر لحقوق المستهلكين، كما سيتم عمل مناقصات للشركات المنوط بها انشاء البنية الاساسية في المناطق التجارية الثمانية المقرر انشائها في مختلف المحافظات.
وقد تم بالفعل تقديم اقتراح من شعبة الملابس الجاهزة لاعداد مشروعا لإنشاء مدينة متكاملة لتجارة الجملة في الغزل والنسيج والملابس الجاهزة وتم تخصيص مساحة 100 فدان بالقاهرة الجديدة، ومن المتوقع أن توفر 300 ألف فرصة عمل.. وينتقل إليها 30 ألف تاجر جملة وتجزئة، فلماذا لايتم تعميم مثل هذه المشروعات في محاولة لتجميع كل نشاط في مكان منفصل عن الاخر بدلا من العشوائية التي تشهدها اسواقنا، خاصة وان انشاء مثل هذه التجمعات التجارية خارج الكتل السكنية سيخفيف الزحام عن وسط المدينة كما أنه مجمع لتنوع السلع في مكان واحد مما يؤدي إلي التنافس سواء من حيث الجودة الأفضل والسعر الأقل، وسيتنافس الجميع علي تقديم أحسن خدمة، وهذه الخطة لم يتم البدء في تنفيذها .
سوء التخطيط
ويلفت الدكتور حسام البرمبلي استاذ التخطيط والعمارة بجامعة عين شمس الي أن سوء التخطيط العمرانى للمدن ساهم فى زيادة الاسواق العشوائية لعدم وجود أماكن كافية لإنشاء أسواق جديدة تستوعب تطوير قطاع التجارة الداخلية، وان تلك الاسواق هي قنابل موقوتة في قلب العاصمة، فهي بدون تنظيم او ضوابط، وهي عبارة عن تجمعات من الباعة الجائلين افترشوا الارصفة والميادين، ونظرا لغياب الرقابة وانعدام المتابعة من جانب الاجهزة المحلية استطاع هؤلاء الباعة ان يملكوها بوضع اليد واصبحت سوقا وتكونت الاسواق العشوائي.
فالتخطيط السليم يتطلب أن تكون الاسواق داخل منطقة مركزية، وتكون بعيدة عن المساكن ويفضل ان تكون خارج الكتل السكنية لتجنب تفاقم الكوارث في حالة وقوع حريق او اي كارثة، وتكون مكتملة المرافق والخدمات، مطالبا بالازالة الفورية لتلك الاسواق من وسط الكتل السكنية و تعميم نظام السويقات في كافة الاحياء والمحافظات، واجبار الباعة والتجار في هذه الاسواق العشوائية علي الذهاب اليها وذلك بتضييق الخناق عليهم وملاحقتهم باستمرار، خاصة وان هؤلاء الباعة الجائلين يفضلون الشوارع والاسواق العشوائية لانهم لايدفعون فيها ايجار علي العكس من السويقات التي يتم فيها دفع ايجار شهري او سنوي، كما ان وجودهم في تلك الاسواق العشوائية يجعلهم لايدفعون الضرائب، ولا يتعرضون لمسائلة مفتشي التموين، حيث انهم يبيعون بضاعة اقل في الجودة، كما لابد ان يكون كل نشاط في مكان منفصل، وان يكون داخل كل سويقة وحدة امنية ووحدة اسعاف ومطافي، وان تكون السويقات مكشوفة في اماكن واسعة حتي يتم تدارك الكوارث عندما يندلع حريق او تنشب مشاجرات او اي اعمال بلطجة .
اشتراطات الحماية والدفاع المدني
مسلسل حرائق الاسواق العشوائية متكرر خاصة في فصل الصيف الذي يعتبر موسم الحرائق، فحرق سوق التونسي ليس الاول ولن يكون الاخير طالما هناك اسواق عشوائية قائمة فقد شب قبل ذلك حريق هائل في سوق باب اللوق بوسط العاصمة ولولا العناية الالهية ووصول سيارات الاطفاء في الوقت المناسب لقضي علي السوق باكمله بل ولحدثت كارثة في قلب القاهرة، وهذا السوق اشتعلت فيه النيران قبل ذلك مرات كثيرة ورغم ذلك لم يحرك ذلك للمسئولين ساكنا .
وهذه الحوادث لم تكن من نصيب العاصمة فقط بل تمتد الي المحافظات والاقاليم الاخري حيث اندلع حريق كبير فى سوق المنشية بالإسكندرية وحرقت النيران 210 كشك من أكشاك بيع الملابس وحطمت مدخل سنترال المنشية وأحدثت تلفيات فى الطابق الأرضى وقدرت الخسائر بـ7 ملايين جنيه، و قد تم إنشاء السوق منذ عامين وتبلغ مساحتها 400متر، وكانت جزئاً من موقف السيارات وتم تجميع الباعة الجائلين فيها بدلاً من افتراشهم منطقة محطة الرمل والمنشية وشهدت السوق تركيبات عشوائية للوصلات الكهربائية، الأمر الذى يؤكد أن تلك التوصيلات هى السبب الرئيسى فى اندلاع الحريق.
ويشير مسئول بالدفاع المدني رفض نشر اسمه ان الاسواق العشوائية هي الغام تهدد القاهرة والمحافظات، لانها مناطق معرضة لحدوث اي كارثة بها وعندما تقع فيها الكاثة تكون " مصيبة كبري " بالنسبة للعاملين فيها او بالنسبة لرجال الدفاع المدني والاطفاء، فهذه الاسواق تكون في اماكن ضيقة او اسفل الكباري او وسط القبور، مما يجعل هناك صعوبة بالغة للوصل اليها، وهذه ما يحدث اثناء حريق سوق التونسي الكائن اسفل احد الكباري، والوصول اليها يكون من خلال طرق ضيقة جدا، لايسمح بدخول معدات الاطفاء الثقيلة، وقد حدث ان سيارة اطفاء تزن 300 طن كانت في طريقها للسوق لمحاصرة الحريق، فلم تستطع الوصول و" غرست " في الارض الرخوة في تلك المنطقة، مما جعل صعوبة في انقاذ اكبر قدر من العشش والمنازل .
ويعدد مسئول الدفاع المدني العوامل التي يجب توافرها في هذه الاسواق حتي لاتحدث كوارث تدمر قوت شريحة كبيرة من المواطنين، موضحا ان تلك الاسواق لابد ان علي مساحات واسعة وخارج الكتل السكنية، وان تكون بعيدة عن محولات الضغط العالي وخطوط السكة الحديدبمسافة لاتقل عن 50 مترا وفقا لاشتراطات كود الحريق المصري، مع ضرورة ان عمل طرق واسعة وممهدة تسمح بمرو سيارات الاطفاء والمعدات الثقيلة، ولابد من عمل تجانس بين الانشطة بحيث تكون كل سلعة في مكان مخصص لها علي ان تكون فواصل بينهما، حتي يستطيع رجال الطفاء تحديد المادة المناسبة للاطفاء، بدلا من حدوث تضارب في ان النيران تحتاج الي مياه او ماة " فوم" او غيرها،
كما يراعي عدم استخدام " المظلات " المصنوعة من القماش التي يضعها كل بائع فوق بضاعته لتحميه من الشمس، التي تكون هي عادة هي السبب الرئيسي لنشوب الحرائق، كما يطالب بان هناك اتصال بين الاجهزة المحلية والدفاع المدني للتنسيق فيما بينهم فيما يتعلق بمواعيد اقامة تلك الاسواق ليتخذ رجال المدني احتياطاتهم بتوفير سيارة اطفاء تكون متواجدة لحين انتهاء السوق وانصراف المواطنين، وضرورة بقاء وحدة اطفاء واسعاف في كل سوق لتفادي وقوع الكوارث والحرائق والسيطرة عليها بسرعة في حالة وقوعها، كما ان هناك شئ مهم وخطير هو منع وجود ايه مخازن لانابي البوتاجاز داخل تلك الاسواق حتي لاتحدث انفجارات تزيد من خطورة الكارثة كما حدث في الونسي حيث انفجر عدد كبير من اسطوانات البوتاجاز اثناء الاطفاء، ورفع كافة المخلفات واكوام القمامة التي تساعد علي الاشتعال بشكل كبير لان معظمها ورق وكرتون ومواد بلاستيكية واخشاب وغيرها، مع توافر شبكة مياه حريق في كل سوق وفقا لقرار وزير الاسكان رقم 152 لسنة 1998 فيما يتعلق بانشاء الاسواق وحمايتها من الحريق، وفي النهاية لابد من ان يكون هناك ممرات للمشاه من رواد السوق بعيدة عن خطوط سير السيارات حتي لايحدث ارتباك .
ويشدد الدكتور بدر سعيد استاذ التخطيط العمراني علي ضرورة تحديد مواعيد ثابتة واماكن محددة لاقامة تلك الاسواق، وان تكون خارج الكتل السكنية، وان تكون تحت الاشراف الامني، كما يحدث في باريس حيث يتم تخصيص ساحات واسعة في خارج كل مدينة ويبدأ عملها في الثامنة صباحا وينتهي في الثانية ظهرا ,ليقوم عمال البلدية بدورهم في ازالة المخلفات واعادة المنطقة كما كانت عليه، وكأن شئ لم يكن ، كما ان هذه الاسواق التي تنتشر بشكل كبير في انحاء العاصمة تؤثر علي حركة المرور, وتؤدي الي عرقلة حركة السير وتسبب اختناقات مرورية ضخمة، فالمعايير العلمية لتخطيط الاسواق تتطلب تخصيص مساحة واسعة بجوار السوق لتصبح " بارك " او مواقف لايقاف الزبائن لسياراتهم
اقرأ أيضًا:
وزير يقرر إزالة (سوق الجمعة)..وتخصيص قطعة أرض لإقامة سوق بديل
الأسواق العشوائية قنابل موقوتة سواء في القاهرة أو المحافظات لوقوعها وسط الكتل السكنية، فهي بؤر للتلوث والضوضاء ، مرتع للبلطجية والخارجين علي القانون ، لأنها عبارة عن تجمعات من الباعة الجائلين الذين يفترشون الشوارع والطرقات، وتعد مكانًا خصبا لحدوث الكوارث واندلاع الحرائق لوقوعها أسفل الكباري أو وسط المقابر أو بجوار قضبان السكة الحديد، وهي مصدرًا للأمراض والاوبئة بالنسبة للسكان القاطنين بجوارها .. مقالب للقمامة ومخلفات الذبح وبقايا الخضروات والفاكهة التالفة. ليس هذا فقط.. فبمجرد الدخول الى هذا العالم تصاب بالغثيان من الروائح الكريهة والزحام الشديد، فالكل داخل هذه " السويقات " يتنافس من أجل بيع بضاعته .. الصوت الجهوري والميكروفونات هما سلاحهما للترويج عما يبيعونه .. تضم كل الوسائل التي تساعد علي الاشتعال، بدءًا من " المظلات " المصنوعة من القماش مرورًا بأكوام " الزبالة " انتهاء بكمية الأخشاب والبلاستيك الموجود بداخلها . سوق الخميس .. سوق الجمعة .. سوق الثلاثاء كلها مسميات لأسواق عشوائية مكتظة بالبائعين والزبائن .. يوجد أكثر من 113 سوقًا شعبيًا منتشرة في احياء ومدن القاهرة الكبري فقط، يقع معظمها في المناطق الشعبية خاصة في مناطق شبرا وامبابة والمطرية والموسكي والعتبة وبولاق الدكرو وغيرها، وهى لا تخضع لأي نوع من أنواع الرقابة ، وتشكل بؤر للتلوث والأوبئة بالإضافة إلى ماتسببه من أشغال للطرق واحداث ضجيج وازعاج مستمر للسكان والمارة ، بضاعتها من " الابرة الي الصاروخ "جميعها سلع " مضروبة " أو مسروقة أو مهربة او منعدمة الجودة او مستعملة، اسعارها زهيدة لذلك يقبل عليها الكثير بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وبسبب موجة الغلاء الفاحش التي اجتاحت معظم السلع، في هذه الاسواق يوجد كل شي من الملابس والاحذية والموبيليا ت والادوات المنزلية، واجهزة المحمول والكمبيروتر، والطيور النادرة والحيوانات الاليفة وغير الاليفة، والعملات النادرة والطوابع القديمة والنتيكات وغيرها مما تتخيله ومما لاتتخيل ان تجده في هذه الاماكن. الأسواق العشوائية محاصرة بالنيران والكوارث، الإهمال والتقاعس من جانب الاجهزة المحلية سبب انتشارها وبقائها، انعدام الامن وغياب الرقابة جعل تجارها وبائعيها يملكون تلك الاسواق وتصبح مرتعا لهم بدون رقيب حتي اصبحت ملاذا امنا للبلطجية واللصوص ومكانا لبيع المسروقات والبضائع المهربة والرديئة غير المطابقة للمواصفات، وكل ذلك يتم تحت رقابة الحكومة المتمثلة في المحليات التي لم تتحرك لوضع حد لهذا الانفلات غير المسبوق في اماكن تواجد تلك الاسواق التى أصبحت بمثابل قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة ، والدليل علي ذلك ما حدث في سوق التونسي المعروفة بسوق الجمعة والتي تضم أكثر من 5 آلاف عامل وحرفي يأتون من كافة أنحاء مصر، للعمل في الورش الخاصة بالسيارات وورش الخشب والسيراميك والألومونيوم والموبيليا والأدوات الصحية، من نشوب حريق هائل دمر بدمار محلات السوق بالكامل ، ما أسفر عن تفحم 3 أشخاص وإصابة 50 من الأهالي والشرطة بالاختناق ، وتقدر الخسائر المبدئية بـأكثر من 50 مليون جنيه، بالاضافة الي تشريد الاف العمال الذين ليس لهم عمل سوي التجارة في هذا السوق، بالرغم من هذا السوق كان قد صدر له قرار ازالة منذ عام 2008 الا ان القرار لم ينفذ، فكانت النتيجة كارثة مروعة . خطط علي الورق الاجهزة المحلية بمحافظة القاهرة ووزارة التجارة والصناعة قد وضعا خططا للقضاء علي هذه الاسواق العشوائية الا ان ايا منهما لم ينفذ حتي الان، واصبحت تلك الخطط علي الورق فقط وظلت حبيسة الادراج، فكانت محافظة القاهرة قد أعلنت منذ عامين عن وضع خطة لتحديث السويقات التقليدية وإنشاء أسواق حضارية بدلا من الأسواق العشوائية، التي تمثل خطورة علي التجمعات السكنية، وان البداية ستكون في سوق التونسي بالسيدة عائشة حيث تم تكليف نائب المحافظ للمنطقة الجنوبية بالإشراف علي إنشاء4 أسواق بديلة لهذه السوق بتكلفة قدرها5 ملايين جنيه بالاضافة الي تقسيم سوق المطرية المعروف بسوق الخميس إلي عدة أسواق متخصصة للقضاء علي المشكلات المتعددة لهذه السوق ، الا ان تلك التصريحات لم تنفذ واستمرت تلك الاسواق علي حالها . كما ان هناك خطة أعدتها وزارة التجارة والصناعة لتطوير التجارة الداخلية والقضاء علي الاسواق العشوائية و إنشاء أسواق جديدة وعصرية، وأطلقت علي هذا المشروع اسم "المطور التجاري" وهو عبارة عن أسواق لتجميع تجارة الجملة والتجزئة ومخازن للبضائع في سوق واحد تتكامل حلقاته، وانشاء مشروع داخل كل محافظة ليضم جميع الاسواق ، علي ان تضم هذه المناطق التجارية جميع الخدمات التي يحتاج إليها التجار والمستهلكون، من مجمع تجاري و شركات للشحن وسجل تجاري وفروع للضرائب والتأمينات، وان تكون مكتملة المرافق والخدمات، وتكون خارج المدن السكنية. وتتضمن خطة الوزارة 5 محاور هي تحديث الأسواق الموجودة للوصول بها إلى مواصفات معينة تحول دون التجارة العشوائية ، وتيسير وتسهيل تعامل التجار مع الجهات الحكومية فى المحليات أو الصحة أو قطاع التجارة الداخلية ، وتطوير الرقابة على الأسواق ومواصفات المنتجات ، والمحور الخامس وهو تحديث وتعديل منظومة التشريعات المنظمة للتجارة الداخلية لزيادة فعالياتها وكفاءتها فى تحقيق الردع للمخالفين والتيسير على الملتزمين وضمان أكثر لحقوق المستهلكين، كما سيتم عمل مناقصات للشركات المنوط بها انشاء البنية الاساسية في المناطق التجارية الثمانية المقرر انشائها في مختلف المحافظات. وقد تم بالفعل تقديم اقتراح من شعبة الملابس الجاهزة لاعداد مشروعا لإنشاء مدينة متكاملة لتجارة الجملة في الغزل والنسيج والملابس الجاهزة وتم تخصيص مساحة 100 فدان بالقاهرة الجديدة، ومن المتوقع أن توفر 300 ألف فرصة عمل.. وينتقل إليها 30 ألف تاجر جملة وتجزئة، فلماذا لايتم تعميم مثل هذه المشروعات في محاولة لتجميع كل نشاط في مكان منفصل عن الاخر بدلا من العشوائية التي تشهدها اسواقنا، خاصة وان انشاء مثل هذه التجمعات التجارية خارج الكتل السكنية سيخفيف الزحام عن وسط المدينة كما أنه مجمع لتنوع السلع في مكان واحد مما يؤدي إلي التنافس سواء من حيث الجودة الأفضل والسعر الأقل، وسيتنافس الجميع علي تقديم أحسن خدمة، وهذه الخطة لم يتم البدء في تنفيذها . سوء التخطيط ويلفت الدكتور حسام البرمبلي استاذ التخطيط والعمارة بجامعة عين شمس الي أن سوء التخطيط العمرانى للمدن ساهم فى زيادة الاسواق العشوائية لعدم وجود أماكن كافية لإنشاء أسواق جديدة تستوعب تطوير قطاع التجارة الداخلية، وان تلك الاسواق هي قنابل موقوتة في قلب العاصمة، فهي بدون تنظيم او ضوابط، وهي عبارة عن تجمعات من الباعة الجائلين افترشوا الارصفة والميادين، ونظرا لغياب الرقابة وانعدام المتابعة من جانب الاجهزة المحلية استطاع هؤلاء الباعة ان يملكوها بوضع اليد واصبحت سوقا وتكونت الاسواق العشوائي. فالتخطيط السليم يتطلب أن تكون الاسواق داخل منطقة مركزية، وتكون بعيدة عن المساكن ويفضل ان تكون خارج الكتل السكنية لتجنب تفاقم الكوارث في حالة وقوع حريق او اي كارثة، وتكون مكتملة المرافق والخدمات، مطالبا بالازالة الفورية لتلك الاسواق من وسط الكتل السكنية و تعميم نظام السويقات في كافة الاحياء والمحافظات، واجبار الباعة والتجار في هذه الاسواق العشوائية علي الذهاب اليها وذلك بتضييق الخناق عليهم وملاحقتهم باستمرار، خاصة وان هؤلاء الباعة الجائلين يفضلون الشوارع والاسواق العشوائية لانهم لايدفعون فيها ايجار علي العكس من السويقات التي يتم فيها دفع ايجار شهري او سنوي، كما ان وجودهم في تلك الاسواق العشوائية يجعلهم لايدفعون الضرائب، ولا يتعرضون لمسائلة مفتشي التموين، حيث انهم يبيعون بضاعة اقل في الجودة، كما لابد ان يكون كل نشاط في مكان منفصل، وان يكون داخل كل سويقة وحدة امنية ووحدة اسعاف ومطافي، وان تكون السويقات مكشوفة في اماكن واسعة حتي يتم تدارك الكوارث عندما يندلع حريق او تنشب مشاجرات او اي اعمال بلطجة . اشتراطات الحماية والدفاع المدني مسلسل حرائق الاسواق العشوائية متكرر خاصة في فصل الصيف الذي يعتبر موسم الحرائق، فحرق سوق التونسي ليس الاول ولن يكون الاخير طالما هناك اسواق عشوائية قائمة فقد شب قبل ذلك حريق هائل في سوق باب اللوق بوسط العاصمة ولولا العناية الالهية ووصول سيارات الاطفاء في الوقت المناسب لقضي علي السوق باكمله بل ولحدثت كارثة في قلب القاهرة، وهذا السوق اشتعلت فيه النيران قبل ذلك مرات كثيرة ورغم ذلك لم يحرك ذلك للمسئولين ساكنا . وهذه الحوادث لم تكن من نصيب العاصمة فقط بل تمتد الي المحافظات والاقاليم الاخري حيث اندلع حريق كبير فى سوق المنشية بالإسكندرية وحرقت النيران 210 كشك من أكشاك بيع الملابس وحطمت مدخل سنترال المنشية وأحدثت تلفيات فى الطابق الأرضى وقدرت الخسائر بـ7 ملايين جنيه، و قد تم إنشاء السوق منذ عامين وتبلغ مساحتها 400متر، وكانت جزئاً من موقف السيارات وتم تجميع الباعة الجائلين فيها بدلاً من افتراشهم منطقة محطة الرمل والمنشية وشهدت السوق تركيبات عشوائية للوصلات الكهربائية، الأمر الذى يؤكد أن تلك التوصيلات هى السبب الرئيسى فى اندلاع الحريق. ويشير مسئول بالدفاع المدني رفض نشر اسمه ان الاسواق العشوائية هي الغام تهدد القاهرة والمحافظات، لانها مناطق معرضة لحدوث اي كارثة بها وعندما تقع فيها الكاثة تكون " مصيبة كبري " بالنسبة للعاملين فيها او بالنسبة لرجال الدفاع المدني والاطفاء، فهذه الاسواق تكون في اماكن ضيقة او اسفل الكباري او وسط القبور، مما يجعل هناك صعوبة بالغة للوصل اليها، وهذه ما يحدث اثناء حريق سوق التونسي الكائن اسفل احد الكباري، والوصول اليها يكون من خلال طرق ضيقة جدا، لايسمح بدخول معدات الاطفاء الثقيلة، وقد حدث ان سيارة اطفاء تزن 300 طن كانت في طريقها للسوق لمحاصرة الحريق، فلم تستطع الوصول و" غرست " في الارض الرخوة في تلك المنطقة، مما جعل صعوبة في انقاذ اكبر قدر من العشش والمنازل . ويعدد مسئول الدفاع المدني العوامل التي يجب توافرها في هذه الاسواق حتي لاتحدث كوارث تدمر قوت شريحة كبيرة من المواطنين، موضحا ان تلك الاسواق لابد ان علي مساحات واسعة وخارج الكتل السكنية، وان تكون بعيدة عن محولات الضغط العالي وخطوط السكة الحديدبمسافة لاتقل عن 50 مترا وفقا لاشتراطات كود الحريق المصري، مع ضرورة ان عمل طرق واسعة وممهدة تسمح بمرو سيارات الاطفاء والمعدات الثقيلة، ولابد من عمل تجانس بين الانشطة بحيث تكون كل سلعة في مكان مخصص لها علي ان تكون فواصل بينهما، حتي يستطيع رجال الطفاء تحديد المادة المناسبة للاطفاء، بدلا من حدوث تضارب في ان النيران تحتاج الي مياه او ماة " فوم" او غيرها، كما يراعي عدم استخدام " المظلات " المصنوعة من القماش التي يضعها كل بائع فوق بضاعته لتحميه من الشمس، التي تكون هي عادة هي السبب الرئيسي لنشوب الحرائق، كما يطالب بان هناك اتصال بين الاجهزة المحلية والدفاع المدني للتنسيق فيما بينهم فيما يتعلق بمواعيد اقامة تلك الاسواق ليتخذ رجال المدني احتياطاتهم بتوفير سيارة اطفاء تكون متواجدة لحين انتهاء السوق وانصراف المواطنين، وضرورة بقاء وحدة اطفاء واسعاف في كل سوق لتفادي وقوع الكوارث والحرائق والسيطرة عليها بسرعة في حالة وقوعها، كما ان هناك شئ مهم وخطير هو منع وجود ايه مخازن لانابي البوتاجاز داخل تلك الاسواق حتي لاتحدث انفجارات تزيد من خطورة الكارثة كما حدث في الونسي حيث انفجر عدد كبير من اسطوانات البوتاجاز اثناء الاطفاء، ورفع كافة المخلفات واكوام القمامة التي تساعد علي الاشتعال بشكل كبير لان معظمها ورق وكرتون ومواد بلاستيكية واخشاب وغيرها، مع توافر شبكة مياه حريق في كل سوق وفقا لقرار وزير الاسكان رقم 152 لسنة 1998 فيما يتعلق بانشاء الاسواق وحمايتها من الحريق، وفي النهاية لابد من ان يكون هناك ممرات للمشاه من رواد السوق بعيدة عن خطوط سير السيارات حتي لايحدث ارتباك . ويشدد الدكتور بدر سعيد استاذ التخطيط العمراني علي ضرورة تحديد مواعيد ثابتة واماكن محددة لاقامة تلك الاسواق، وان تكون خارج الكتل السكنية، وان تكون تحت الاشراف الامني، كما يحدث في باريس حيث يتم تخصيص ساحات واسعة في خارج كل مدينة ويبدأ عملها في الثامنة صباحا وينتهي في الثانية ظهرا ,ليقوم عمال البلدية بدورهم في ازالة المخلفات واعادة المنطقة كما كانت عليه، وكأن شئ لم يكن ، كما ان هذه الاسواق التي تنتشر بشكل كبير في انحاء العاصمة تؤثر علي حركة المرور, وتؤدي الي عرقلة حركة السير وتسبب اختناقات مرورية ضخمة، فالمعايير العلمية لتخطيط الاسواق تتطلب تخصيص مساحة واسعة بجوار السوق لتصبح " بارك " او مواقف لايقاف الزبائن