خطب الشيخ عبد الله القرعاوي
التحذير من المعاصي في رمضان
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
عباد الله:
اتقوا الله وأطيعوه ولا تعصوه واعلموا أن الواجب على الصائم إذا صام أن يتقي الله ويحفظ صيامه عما لا يليق من اللغو والرفث والشتم والغيبة والنميمة والكذب.
فإن الله تعالى قال في حق الصائم (إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي) متفق عليه
وذلك أن الصائم يتقرب إلى الله بترك ما تشتهيه نفسه من الطعام والشراب والنكاح وهذه أعظم شهوات النفس فلا يتم التقرب إلى الله بترك هذه الشهوات المباحة في غير الصيام إلا بالتقرب إليه بترك ما حرم الله في كل حال من الكذب والظلم والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم فهذه الأمور حرام وفي حق الصائم أشد حرمة ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )أخرجه البخاري( )
وفي حديث آخر ليس الصيام من الطعام والشراب إنما الصيام من اللغو والرفث رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم( )
قال بعض السلف أهون الصيام ترك الشراب والطعام
وقال صلى الله عليه وسلم الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب وإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرأ صائم متفق عليه( ) والرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه في قوله تعالى: -( ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب)- [الحجرات/11] قال: لا يطعن بعضكم على بعض.
وقال مجاهد رحمه الله في قوله تعالى: -( ويل لكل همزة لمزة )- [الهمزة/1] الهمزة هو الذي يأكل لحوم الناس واللمزة الطعام.
ويكفي بتحريم الغيبة والزجر عنها وبيان قبحها وقبح المستغلين بها أن جعل الله سبحانه الواقع فيها كمن هو قائم على جيفة أخيه المسلم يقطع لحمه ويأكله قال عز وجل: -( ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه )- [الحجرات/12]
وفي الحديث كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه رواه مسلم وغيره( )
وفي الحديث إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق أخرجه أبو داوود وأحمد( )
ولما رجم الصحابي الجليل ماعز الأسلمي رضي الله عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: أنظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رُجِمَ رَجم الكلب فسكت عنهما ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجليه فقال: أين فلانا وفلان فقالا: نحن ذان يان يا رسول الله قال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار فقالا: يا نبي الله من يأكل من هذا قال: فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من أكل منه ،والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها أخرجه أبو داوود( ) بإسناد صحيح وأصله في الصحيحين.
ولذا حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته غاية التحذير منها وأوضح حقيقتها بقوله: أتدرون ما الغيبة قالوا: الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه تقول فقد بهته رواه مسلم في صحيحه( )
فذكر المرء أخاه المسلم بما يكرهه غيبة محرمة سواء كان ذلك العيب في خلقه أو خلقه وسواء قاله بصريح القول أو همزا ولمزا أو إشارة أو إيماء أو محاكاة أو تقليدا فكل ذلك غيبة محرمة وإن تظاهر أصحابها بخلاف ذلك، فإن من للناس في الغيبة طرائق متعددة وأساليب متنوعة فربما أظهر بعضهم الغيبة في قالب صلاح وورع وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من الناس من يخرج الغيبة في قوالب شتى تارة في قالب ديانة وصلاح فيقول: ليس لي عادة أن أذكر أحد إلى بخير ولا أحب الغيبة والكذب وإنما أخبركم بأحواله، وربما قال: دعونا منه الله يغفر لنا وله وإنما قصده انتقاصه وهضما لجنابه، ومنهم من يحمله الحسد على الغيبة فيجمع بين أمرين قبيحين الغيبة والحسد، ومنهم من يخرج الغيبة في قالب تعجب فيقول: عجيب من فلان كيف وقع منه كذا وكذا، ومنهم من يخرج الغيبة مخرج الاغتمام فيقول: غمني ما جرى لفلان، فيظن من يسمعه أنه يغتم له ويتأسف وقلبه منطو على التشفي به ولو قدر لزاد على ما به، ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر ويظهر في هذا الباب أشياء من زخارف القول أو قصده غير ما أظهر وهذا وغيره من أعظم أمراض القلوب والمخادعة لله ولخلقه انتهى كلامه رحمه الله.
روى الطبراني وأبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجل فقالوا: يا رسول الله ما أعجز فلان أو قالوا ما أضعف فلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغتبتم صاحبكم وأكلتم لحمه( )
وروى أبو داوود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال بعض الرواة: تعني أنها قصيرة فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته( ).
قوله لمزجته أي خالطته مخالطة يتغير بها طعمه أو ريحه بشدة نتنها أو قبحها وهذا من أبلغ الزواجر عن الغيبة.
قال بعضهم:
إذا لم يكن في السمع مني تصاو( وفي بصري غض وفي منطقي صمت فحظي إذا من الصوم الجوع والظمأ( فإن قلت إني صمت يومي فما صمت فليتقي الله المسلم في أعراض إخوانه المسلمين وليحفظ لسانه عن غيبتهم إن الواجب على المسلم أن يدافع عن أعراض إخوانه المسلمين فإن ذلك من علامات الإيمان وصدق الأخوة وأسباب الفلاح والنجاة من النار.
وقد قال صلى الله عليه وسلم من رد عن عرض أخيه المسلم كان حقا على الله عز وجل أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة رواه أحمد والترمذي بسند حسن( )
فاحذروا مجالسة المغتابين أو تصديقهم في كل ما يقولون واعلم أن من نم لك نم عليك ومن اغتاب عندك اغتابك عند غيرك فهذا ديدن المغتابين ومنهجهم، إذا قابلك هش لك وبَش ونقل لك عن فلان وفلان وأبى محاسنك وإذا خلا بغيرك ذكر فيك من العيوب ما يستطيع.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
عباد الله :
اتقوا الله تعالى وأطيعوه واعلموا أنه قد مضى عليكم شهور من الزمان وها أنتم اليوم في شهر رمضان وهو شهر الإعتاق من النيران لمن ترك الذنوب واستحيى من رقيبه
يقول الله: الصوم لي وأنا أجزي به( )
شهر أقبل على المتقين بالفرح والسرور، وعلى المقبولين بتكثير الأجور وعلى الصادقين بتوفير النور وعلى التائبين بتقويم الأمور وجبر المفتور وعلى العامل بتوفير نصيبه، (الصوم لي وأنا أجزي به) شهر يتم به الإسعاد والتكريم، ويتفضل بجزيل الإنعام الملك الكريم، ويصفد فيه كل شيطان رجيم، ويعافى فيه مريض الخطايا السقيم- إذا امتثل أمر طبيبه (الصوم لي وأنا أجزي به) شهر يعفوا فيه عن عباده الرءوف الرحيم فاحفظوه لعله يحصل لكم بالتقوى جنات النعيم، ويقيكم في القيامة هول الجحيم، إذا انزعجت القلوب لهيبة مسائلة العلي العظيم، وعاينتم في الوقوف شديد كروبه (الصوم لي وأنا أجزي به) لقد سعد والله من اتقى فيه ونجى، ولقد نال مأمول الغفران فيه من رجى، ولقد تم حال من أفطر فيه على السؤال والالتجاء، وتسحر في جوف الليل وظلمة الدجى ببكائه ونحيبه (الصوم لي وأنا أجزي به) تدرعوا تقوى الله والورع ،ولازِموا الحذر قبل يوم الفزع، وراقبوا الله، وراقبوا الله، وراقبوا الله فبين يديكم هول المطلع، وتعرضوا لنفحاته لعله إذا اطلع منحكم أفضل المنح، وخلع عليكم أحسن الخلع، في دار جزاءه وثوابه فيوم القيامة يتبرأ القريب من قريبه، والحبيب من حبيبه، فقد قال مولاكم في حضكم على الصيام وترغيبه، (الصوم لي وأنا أجزي به)
عباد الله
-( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )- [الأحزاب/56] وأكثروا عليه من الصلاة يعظم لكم ربكم بها أجرا فقد قال صلى الله عليه وسلم: من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا( )
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
اللهم انصر دينك وانصر من نصر دينك واجعلنا من أنصار دينك يا رب العالمين
اللهم يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم قاتل الكفرة من أهل الكتاب الذين يصدون عن دينك ويكذبون رسلك ويعادون أوليائك
اللهم فرق جمعهم وشتت شملهم وأدر عليهم دائرة السوء واجعل تدميرهم في تدميرهم يا حي يا قيوم
اللهم عليك باليهود والنصارى والرافضة
اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم
اللهم وآمنا في دورنا وأوطاننا وأصلح ووفق ولاة أمورنا
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
اللهم اصرف عنا وعن جميع المسلمين شر ما قضيت
اللهم والطف بنا وبالمسلمين في قضائك وقدرك
اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.